الكنيست يرفض دولة فلسطينية- تحديات السلام ومبادرات الحل

المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.15.2025
الكنيست يرفض دولة فلسطينية- تحديات السلام ومبادرات الحل

في تطور لافت، شهد الكنيست الإسرائيلي، مساء الأربعاء الموافق 1 سبتمبر 2024، حدثاً تاريخياً، حيث صوّت بأغلبية ساحقة على قرار يرفض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. القرار، الذي أثار جدلاً واسعاً، يزعم أن قيام دولة فلسطينية يشكل تهديداً وجودياً على أمن إسرائيل ومواطنيها، حسب ما ورد في حيثياته. وقد لاقى هذا القرار تأييداً من 68 عضواً في الكنيست، الذي يضم 120 مقعداً، في حين عارضه 9 نواب فقط، في حين تغيب أغلبية الأعضاء عن حضور جلسة التصويت الحاسمة، وجاء هذا الإجراء بالرغم من اعتراف ما يربو على 140 دولة حول العالم بدولة فلسطين ككيان مستقل وحر.

في المقابل، وعلى النقيض تماماً من الموقف الإسرائيلي، بادرت المملكة العربية السعودية بالتأكيد على ضرورة تضافر الجهود الدولية لتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقد صرح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 79 في نيويورك، بأنه من الضروري الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. كما أعلن عن تشكيل تحالف دولي يضم اللجنة العربية الإسلامية، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، بهدف الدفع قدماً بتنفيذ حل الدولتين، انطلاقاً من الإيمان الراسخ بأهمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي طال أمده.



إنّ إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية العالقة يتطلب بالضرورة أحد الخيارات التالية: إما إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية التاريخية، أو بسط السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين، أو تبني حل الدولتين الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، أو قيام دولة واحدة تضم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن المعلوم بالضرورة أن غالبية التيار الصهيوني المتطرف يرفض رفضاً قاطعاً فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، فهم بذلك يعارضون أي فكرة تسوية سلمية، ويرغبون بإقامة دولة يهودية خالصة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على العدوان الصهيوني الغاشم على فلسطين والأمة العربية، وما ترتب عليه من صراعات ونزاعات دامية، إلا أن الكيان الصهيوني لم يبدِ أي بادرة حسن نية أو رغبة صادقة في تحقيق السلام العادل والشامل. فقد أثبتت الأحداث أن إسرائيل لا تسعى إلى السلام مع الفلسطينيين والعرب، بل تهدف إلى فرض الاستسلام على الطرف الآخر، وتكريس مشروعها الاستيطاني التوسعي. فمنذ قيام إسرائيل في عام 1948، تم طرح العديد من المبادرات والمقترحات لحل هذه القضية المعقدة وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمدت الالتفاف على هذه المبادرات وتأخيرها، والمضي قدماً في مخططاتها الرامية إلى الاستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية من خلال التوسع الاستيطاني المستمر وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في وطنه.

لقد أفشلت إسرائيل العديد من المبادرات السلمية، إلا أن هناك مبادرات دولية لم تتمكن إسرائيل من تجاهلها بالكامل، مثل مبادرة السلام العربية وحل الدولتين، ورغم رفضها المعلن والمتكرر لها، ورغم القبول العربي والفلسطيني بها. واليوم، تعلن إسرائيل رسمياً رفضها لمبدأ حل الدولتين. وهناك قوى فاعلة في المجتمع الدولي تسعى جاهدة لدعم حل الدولتين ومحاولة فرضه على إسرائيل، التي تستقوي بحلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، لرفض هذا الحل.



تعتبر مبادرة السلام العربية، التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، بمثابة حجر الزاوية للسلام الشامل والعادل في المنطقة. وتقوم المبادرة، التي قدمتها المملكة العربية السعودية، على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة معترف بها دولياً على حدود عام 1967، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ورفض أي شكل من أشكال التوطين للفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، والانسحاب الكامل من هضبة الجولان وجميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 وما بعدها. وفي المقابل، تعترف الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بشكل نهائي.

أما حل الدولتين، فهو يهدف إلى إقامة دولتين مستقلتين على أرض فلسطين التاريخية، وهما دولة فلسطين ودولة إسرائيل. ويستند هذا الحل إلى قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967، وقد اعتمد كمرجعية أساسية للمفاوضات التي جرت في أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي أسفرت عن الاعتراف المتبادل بين الطرفين. ويعني هذا الحل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، أي على ما يعادل 23% من أرض فلسطين. وهناك إجماع دولي على ضرورة إنهاء إسرائيل لاحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، والسماح بإقامة دولة فلسطين على هذه الأراضي التي تعتبر دولياً أراضي محتلة من قبل إسرائيل. ومع ذلك، ترفض إسرائيل، وخاصة اليمين المتطرف، بشدة كلا من مبادرة السلام العربية وحل الدولتين، وتصر على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وتعلن مراراً وتكراراً رفضها لهذه المبادرات، لأنها تستلزم قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.



تؤكد القيادة الفلسطينية على تمسكها بخيار حل الدولتين، ولكنها أعلنت أنها لا تمانع في قبول حل الدولة الواحدة، شريطة أن يكون هناك مساواة كاملة بين جميع المواطنين، سواء كانوا يهوداً أو فلسطينيين. إلا أن إسرائيل ترفض بشدة حل الدولتين، سواء العربي أو الأممي، لرفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة يعيش فيها الشعب الفلسطيني الذي شرد واحتلت أرضه. كما ترفض إسرائيل حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها اليهود والعرب كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، لأنها تسعى إلى إقامة دولة يهودية عنصرية خالصة على حساب شعب بأكمله.

لذلك، يأمل الفلسطينيون وبشده من الأطراف المحايدة في المجتمع الدولي، والدول صاحبة الضمير الإنساني وفي مقدمتها هذا التحالف الدولي المشترك، إنصاف الشعب الفلسطيني المظلوم من هذا الظلم الصهيوني الغاشم، وتمكينه بعد عقود طويلة من التشرد والمعاناة من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في وطنه، والذي يتمثل في حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كافة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، أو إقامة دولة ديمقراطية عادلة واحدة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة